12 مارس 2015

ما بعد داعش...

داعش ليست صناعة مخابراتيّة أجنبيّة كما يُشاع ، هي ثقافة ساكنة في ذاكرتنا الجمعيّة و في عقولنا و وجداننا و مجتمعاتنا و دولنا ، 
خروجها من حيّز الخفاء إلى حيّز التجلّي بكلّ بشاعتها و قسوتها و عنفها و توحّشها علامة صحّة و مقدّمة للتعافي ، هي بعض من عناصر صورة الذّات في المرآة ، و كثير من عناصر صورة الآخر التي يحاول عبثا إخفاءها و تجميلها
وراء كلّ سلوك استدعاشي نصوص لم تراجع و فقه لم يُجدّد و فكر لم يتطوّر و تاريخ لم تُعد كتاباته و دغمائيات لم تنسف و قطيعة معرفيّة لم تنجز
وراء كلّ قسوة داعشيّة قساوات نظم سياسية تعاقبت على شعوب المنطقة و مارست أقسى أشكال الدعشنة السياسية و الأمنية و الاقتصادية طيلة عقود و أنتجت الاستبداد و الفساد و الفقر و التهميش و التفاوت الطبقي و الاجتماعي و انتهاكات حقوق الإنسان و كلّ أشكال الإذلال و الإهانة و العبث بهويّة الشعوب و ثقافتها و أفقدت الشباب الأمل في المستقبل و جعلتهم يتعلّقون بحبال الماضي الواهية و ينزعون إلى القصوويّة في ممارسة العنف
وراء كلّ توحّش استدعاشي توحّش عولمي رأينا أقسى مظاهره في فلسطين المحتلّة و فيتو الدول دائمة 
العضويّة في مجمع إكليروس النفوذ المالي و السياسي بمناسبة كلّ قضيّة عادلة و رأيناه في سجن أبو غريب و قنابل الفسفور في العراق ......
وراء كلّ نزوع دواعشي ذات مشوّهة ممزّقة منشطرة ، و كلّ يمارس الدعشنة بطريقته ، كلّ يريد أن يقطع و يبتر و يستأصل : رأسا أو أقليّة بأكملها أو ظاهرة اجتماعية أو فئة سياسيّة أو ثقافة أو شعبا بأكمله ،
عالم متوحّش رغم مظاهر الحداثة الزّائفة تستوي فيه الدعشنة العارية و الدعشنة المتجمّلة بثرثرة الخطاب الحقوقي الحداثوي ،
في مقابل ثقافة التوحّش و العنف لا خيار للبشرية إلا الانخراط في ثقافة الأنس و التعارف و الغيرية و الانتصار لإنسانيّة الإنسان و كرامته الآدميّة المقدّسة و هي أعدل ما قسمه الخالق بين أبناء آدم حيث خلقهم على هيأة الكرامة و يعلم أن سيكون منهم المؤمن و الكافر و البرّ و الفاجر و الطّائع و العاصي و التقيَّ و الفاسق ، و الصَّالِح و الطّالح، و شملهم جميعا بخاصيّة الكرامة و هي خلقيّة جعليّة مركوزة لا يمكن انتزاعها بأيّ حال من الأحوال
في مقابل عولمة ثقافة التوحّش و العنف نحتاج إلى عولمة العدالة و الحقوق و بناء ثقافة الإعمار ، و في مقابل
فلسفة التوحُّد " هوتيزم " نحتاج بناء فلسفة التنوّع و التعدّد و الاختلاف و الإنسان بكلّ أبعاده

سامي براهم